يتصف الجيش السوداني المعاصر
بعقيدة قتالية غريبة ، فقد ظل في وضعية الحرب بدون اي انتصار حقيقي منذ تأسيسه عام
1925م، وكان اسمه آنذاك ( قوة دفاع السودان ) و قوامها عدد من الجنود السودانين تحت
قيادة الجيش البريطاني المحتل ، وفي عام 1956 تم تكوين الجيش السوداني (قوات الشعب
المسلحة) ابتدأ بفرقة المشاة ثم البحرية والجوية وغيرها.
ويلاحظ أن تشكيل الجيش السوداني المعاصر تم
على نحو عشائري، وكان يتكون من (الفرقة الاستوائية ، و فرقة العرب الشرقية ، و فرقة
العرب الغربية ، و (الهجانة) باسم (قوة دفاع
السودان.(
شاركت وحدات سودانية ضمن الجيش المصري و في
جزيرة القرم إلى جانب الدولة العثمانية المحتلة للسودان ، ثم في المكسيك سنة 18622
م، عندما طلبت كل من فرنسا و بريطانيا و إسبانيا من خديوي مصر إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها
ضد العصابات المكسيكية .
وفي الحرب العالمية الأولى أرسلت بريطانيا مجموعة
من الجنود السودانيين إلى جيبوتي بناء على طلب من فرنسا لتحل محل الجنود السنغاليين
هناك، أما في الحرب العالمية الثانية فقد قاتلت بريطانيا ضد الإيطاليين في إريتريا
وإثيوبيا و إستخدمت جنود سودانيين في ذلك و أوقفت القوات البريطانية تقدمهم في جبهتي
كسلا والقلابات ، كما شاركت بريطانيا في حملة الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين عندما
رابطت في واحتي الكفرة وجالو في الصحراء الليبية بقيادة جنرال بريطاني.
ومن أهم الحروب التي خاضها الجيش السوداني معارك
الحرب العالمية الثانية في المكسيك عندما كان السودان تحت الاحتلال البريطاني لكن تم
هزيمة الجيش السوداني.
حروب الجنوب:
لذلك فقد اندلعت شرارة حروب الجنوب منذ الأول
من يناير 1956 ، عقب استقلال السودان عن الحكم الثنائي البريطاني المصري و اشتعلت فيه
حرب أهلية بين شماله و جنوبه منذ قبيل إعلان الاستقلال حتى 2005 باستثناء فترات سلام
قليلة متقطعة ، نتيجة صراعات عميقة بين الحكومة المركزية في شمال السودان وحركات متمردة
في جنوبه و التي لم تنجح الحكومة في الشمال في إحتوائها و قد انتهت الحرب الأهلية بتوقيع
اتفاقية السلام الشامل، بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان، و استقل
جنوب السودان عام 2011 كدولة مستقلة ذات سيادة ، بعد استفتاء تلى الفترة الانتقالية
التي نصت عليها الاتفاقية.
تاريخ من الانقلابات:
حفل التاريخ السوداني
الحديث بالكثير من الانقلابات العسكرية، فمنذ استقلال السودان عام 1956 وحتى الوقت
الراهن، وقع أكثر من 111 انقلابًا أو محاولة انقلاب، و ثورتان شعبيتان أطاحتا بحكمين
عسكريين قويين.
ومنذ الاستقلال حكم العسكريين
45 عامًا ممتدة على ثلاث فترات انقلابية، مقابل 11 عامًا لحكومات مدنية لثلاث فترات
أيضا ، كما حدثت انقلابات أخرى خلال فترات حكم العسكريين و المدنيين. و يعد انقلاب
الفريق إبراهيم عبود عام 1958 (66 سنوات) ، وجعفر النميري 1969 (16 عاما) ، و عمر البشير
عام 1989 (مستمر منذ 23 عاما) هي الأبرز في السودان.
الحكم العسكري الأول: كان استيلاء الجيش بقيادة
الفريق إبراهيم عبود على السلطة في 17 نوفمبر 1958م، أول ضربة لنظام التعددية الحزبية
في السودان و مقدمة لسلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية التي صبغت تاريخ البلاد حيث
شكل الحكم العسكري حكومة مدنية تكنوقراطية حاول من خلالها التصدي للمشاكل الأساسية
الثلاثة للبلاد. لكن ما لبث أن شهدت البلاد الانقلابات العسكرية التالية:
- انقلاب اللواء عبد الوهاب: و خلال فترة حكم الفريق عبود وقعت عدة انقلابات كان
أشهرها انقلاب اللواء أحمد عبد الوهاب و محيي الدين عبد الله و عبد الرحيم شنان في
عام 1960 - بعد عامين من انقلاب عبود- وبدلا
من سجنهم أو إعدامهم كما هي العادة في الحكومات العسكرية تم استيعاب الانقلابيين في
الحكومة.
- انقلاب الرشيد الطاهر: في عام 1963 كان انقلاب مجموعة الرشيد الطاهر بكر
وهو أول أمين عام لجماعة الإخوان المسلمين، وقد تم إعدام 55 من الضباط و سجن آخرين
بمن فيهم مدبر الانقلاب الرشيد الطاهر وزير العدل الأسبق.
- انقلاب صغار الضباط: قام به مجموعة الضباط الأحرار من بينهم المقدم
جعفر نميري (الذي استطاع في وقت لاحق من إنجاح انقلابه في عام 1969) و عدد من طلبة
الكلية الحربية و فشل الانقلاب و تم إبعاد الضباط إلى مواقع بعيدة من الخرطوم التي
تنفذ فيها الانقلابات.
- انقلاب النميري: في 25 مايو عام 1969 قاد العقيد
جعفر نميري انقلابا بمشاركة من الحزب الشيوعي السوداني و القوميين العرب، واستمر النميري
في الحكم 16 عاما في وتخللت حكمه عدة انقلابات.
- انقلاب هاشم العطا: قاده الرائد هاشم العطا
في 19 يوليو 1971 واستولى على السلطة لثلاثة أيام، غير أن النميري استعاد السلطة بمساندة
معمر القذافي و حركة شعبية في الداخل. و أعدم الضباط الذين شاركوا في الانقلاب وعدد
من قيادة الحزب الشيوعي السوداني بالمئات من كوادر الشيوعيين في السجون.
- انقلاب حسن حسين: وقع في 5 أغسطس 1975 و قاده
المقدم حسن حسين وكان ينتمي إلى التيار الإسلامي و قد حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص
بعد اعتقاله خلال عملية إطلاق نار وكان متأثرا بجراحه حين اعتقاله .
- انقلاب العميد نور سعد: وقع 2 يوليو 1977، عرف
بـ«غزو المرتزقة» بزعامة الجبهة الوطنية المعارضة في الخارج و هي تحالف ضم حزب الأمة
، و الاتحادي الديمقراطي ، و جبهة الميثاق الإسلامي، و بمساعدة معمر القذافي. و تم
تنفيذ الانقلاب بالتحرك من الحدود الليبية إلى جانب تحرك مجموعات داخلية من طلبة و
جنود في الجيش ، وفشل الانقلاب وتم إعدام قادته رميا بالرصاص، وشهدت شوارع الخرطوم
معارك قتل فيها المئات أغلبهم من دارفور.
- انقلاب عمر البشير 30 يونيو 1989 بقيادة العميد
عمر حسن البشير وبمشاركة الجبهة الإسلامية
القومية بزعامة حسن الترابي.
و طوال سنوات حكم البشير، جرت عدة محاولات انقلابية
– فاشلة - أشهرها:
- ثورة رمضان: في أبريل 1990 بعد عام من انقلاب البشير، وعرفت
تلك المحاولة بثورة رمضان، حيث جرت المحاولة في ذلك الشهر الكريم ، بقيادة عبد القادر
الكدرو و خالد الزين و آخرون، و تم إعدامهم جميعهم (28 ضابطا من رتبة لواء إلى ملازم
أول وسجن آخرون ).
- انقلاب مارس 2004 : محاولة انقلابية مزعومة
اتهم بها حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي،
و تم القبض على عدد من قيادات الحزب و بعض الضباط، واتهم د. الحاج آدم يوسف، نائب الرئيس
السوداني، بأنه أحد قادة الانقلاب، فهرب إلى العاصمة الإريترية أسمرة ثم عاد بعد عامين
متصالحا مع النظام وعين نائبا للبشير.
- محاولة خليل إبراهيم: قامت به حركة العدل والمساواة
في مايو 2008 بقيادة زعيمها الراحل د. خليل
إبراهيم، حيث دخلت قواته من تخوم دارفور إلى الخرطوم لقلب نظام الحكم، لكن المحاولة
فشلت واتهمت دولتي تشاد وليبيا بأنهما وراء المحاولة، وتم القبض على عدد من المشاركين
وصدر ضدهم حكم بالإعدام، لكنه لم ينفذ حتى الآن وهم موجودون في سجن «كوبر».
ثورات وانتفاضات :
في 12 أكتوبر 1964، وقعت
ثورة شعبية في السودان ، انطلقت من جامعة الخرطوم، وغمرت شوارع العاصمة ضد نظام عبود،
مما اضطر قادة القوات المسلحة السودانية الانحياز إلى الثورة الشعبية التي أطاحت بأول
انقلاب عسكري شهده السودان و حكم البلاد لست سنوات. لتبدأ ثاني حكومة مدنية في حكم
البلاد امتدت حتى مايو 1969.
وتعد انتفاضة أبريل، وحكم
المشير سوار الذهب 1985، هي ثاني ثورة شعبية تحدث في السودان بعد ثورة أكتوبر
1964، تطيح بحكم عسكري. فقد خرجت الجماهير
في كل أركان العاصمة مطالبين بإنهاء حكم نميري.
و نظرا للهزائم المتتالية
للجيش السوداني المنهك فقد اضطر أن ينحاز الجيش
للشعب في السادس من أبريل 1985، وكان وقتها وزيرا لدفاع النميري، وحكم لمدة
عام في الفترة الانتقالية وسلم الحكم بعد انتخابات جاءت بحكومة الصادق المهدي المنتخبة
في عام 1986.
عقب ذلك، جرت الانتخابات
في موعدها و جاءت بحزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي ، و تولى رئاسة مجلس الوزراء
، بينما جاء الحزب الاتحادي الديمقراطي في المرتبة الثانية بزعامة أحمد الميرغني وتولى
رئاسة مجلس رأس الدولة، فيما خرج منها حزب الجبهة الإسلامية القومية وزعيمه حسن الترابي
ليتصدر المعارضة في البرلمان. وسلم سوار الذهب السلطة إلى الحكومة المدنية الجديدة.
لكن الفترة الثالثة لم
تشهد أي استقرار، إذ تم تشكيل خمس حكومات ائتلافية في ظرف أربع سنوات. قام الحزب الاتحادي
الديمقراطي الذي خرج من الحكومة الائتلافية بتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير
السودان التي حققت انتصارات عسكرية. ونص الاتفاق على وقف لإطلاق النار إلى جانب رفع
حالة الطوارئ بغية تمهيد الطريق أمام مؤتمر دستوري عام، على أن يسبقه تجميد العمل بالشريعة
الإسلامية أو قوانين سبتمبر كما كان يطلق عليها، أواستبدالها بقوانين جديدة مماثلة.
وقد تسببت الهزائم المتلاحقة
التي منيت بها الجيش السوداني في تذمر القيادة العامة للجيش فعقدت اجتماعا و رفعت مذكرة
لرئيس الحكومة الصادق المهدي، مطالبة إياه بتزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو
وضع حد للحرب الدائرة في الجنوب.
وقد أحدثت المذكرة بلبلة
سياسية في البلاد لتضمنها تهديدا مبطنا للحكومة أو على الأقل توبيخا رسميا لتقصيرها
في إحدى مهامها الأساسية وهي الدفاع عن البلاد، بإهمالها التزاماتها تجاه الجيش.
ومما أدى إلى زيادة التدهور
في العلاقة بين الجيش وحكومة الصادق المهدي الإنذار الذي وجهه الفريق فتحي أحمد القائد
العام إلى الحكومة وطالبها بالاعتدال في مواقفها السياسية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين.
لكن الصادق المهدي رفض هذا التهديد وأدان مسلك القائد العام وتدخل الجيش في السياسة. لكنه رضخ في نهاية المطاف للضغوط وأعلن قبول اتفاقية
السلام التي أبرمها الحزب الاتحادي الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبطبيعة
الحال كانت تلك الخطوة بداية النهاية لحكومة الصادق المهدي الديمقراطية.
ضباط ضد الفساد: في نهاية شهر يناير من العام
الماضي- 2012- قام الرئيس السوداني عمر البشير ووزير دفاعه بعقد لقاءات تنويرية في
عدد من الوحدات العسكرية دعت من خلالها ضباط القوات المسلحة للإعداد الجيد والتحضير
لكافة الاحتمالات بما في ذلك احتمال الدخول في حرب مع جنوب السودان.
على إثر ذلك، تقدم حوالي
700 ضابط بمذكرة للرئيس السوداني عمر البشير ووزير الدفاع عبدالرحيم حسين محذرين من
شن حرب ضد الجنوب في الوقت الحالي، وطالبوا بتحسين الكفاءات العسكرية المتدهورة للقوات المسلحة السودانية
و محاربة الفساد وإجراء إصلاحات السياسية في البلاد .
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=190675851461050&id=146124665916169




